الحمد لله الذى أنزل القرآن كلامه وأجرى على لسان رسول الحق كلاماً زانه,
وعلم الأصحاب فهمها سبحانه, وسيَّر من بعدهم على طريق الحق فرسانه, وذل
ذوو الخسران عن طريق الحق فتركوا مكانه
وأصلى وأسلم على من أوتى جوامع الكلم وبيانه ثم أما بعد ...
قال تعالى: " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ"(النحل:18)
*قال حبيب قلبي شيخ المفسرين الإمام الطبري - رحمه الله – فى تفسيره:
(
وإن تعدوا نعمة الله لا تطيقوا أداء شكرها وإن الله لغفور لـما كان منكم
من تقصير فـي شكر بعض ذلك إذا تبتـم وأنبتـم إلـى طاعته وإتباع مرضاته،
رحيـم بكم أن يعذّبكم بعد الإنابة إلـيه والتوبة).
*قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - فى تفسيره:
)أي
يتجاوز عنكم, ولو طالبكم بشكر جميع نعمه لعجزتم عن القيام بذلك, ولو أمركم
به لضعفتم وتركتم, ولو عذبكم لعذبكم وهو غير ظالم لكم, ولكنه غفور رحيم,
يغفر الكثير ويجازي على اليسير(.
*قال الشيخ السعدي - رحمه الله - فى تفسيره:
وإن
تعدوا نعمة الله عددا مجردا عن الشكر لا تحصوها فضلا عن كونكم تشكرونها،
فإن نعمه الظاهرة والباطنة على العباد، بعدد الأنفاس واللحظات، من جميع
أصناف النعم، مما يعرف العباد، ومما لا يعرفون، وما يدفع عنهم من النقم،
فأكثر من أن تحصى، إن الله لغفور رحيم يرضى منكم باليسير من الشكر، مع
إنعامه الكثير. وإن رحمته واسعة، وَجُوده عميم ، ومغفرته شاملة للعباد،
فعلمه محيط بهم).
قال الشيخ الشنقيطي - رحمه الله - فى تفسيره أضواء البيان:
( ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن بني آدم لا يقدرون على إحصاء نعم الله لكثرتها عليهم، وأتبع ذلك بقوله :
"إِنَّ
ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ" فدل ذلك على تقصير بني آدم في شكر تلك النعم،
وأن الله يغفر لمن تاب منهم، ويغفر لمن شاء أن يغفر له ذلك التقصير في شكر
النعم. وبين هذا المفهوم المشار إليه هنا بقوله:
" وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ"
وبين في موضع آخر: أن كل النعم على بني آدم منه جل وعلا، وذلك في قوله:
" وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّه" ).
وإن الذى استوقفني ودفعني للكلام عن هذا الموضوع هو موقف حدث منذ بضعة أيام
كنت
عند أخٍ فى الله يتاجر فى العطور فدخل علينا أحد الأخوة المحل يحادثه
فعلمت أن هذا الأخ فقد حاسة الشم وحاسة التذوق حين يوضع أمامه طعامٌ لا
يدرى أمرٌ هو أم حلوٌ أم مالحٌ ولا يدرى ما رائحته أطيبة أم خبيثة لكنه
فقط يشترى العطور كي لا يَنْفر منه من حوله فقط.
وسبحان الملك وقفت مع نفسي وسألتها
هل
يا ترى قد شكرتى يانفس الله يوماً على هذه النعمة هل استشعرتى يانفس يوماً
قدر أهميتها فأجابت النفس بالسكوت فى ندم ولم أجد إلا أن أقول الحمد لله
الذى عافانا ووهبنا كل شيء.
لا شك أن من أعظم الطرق لاستشعار نعم الله علينا هو النظر
لمن هو أسفل من فى الدنيا
ولذلك
قال النبي (صلى الله عليه وسلم) " انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى
من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم "( مسلم/ 2963(
-إن
معظمنا يفعل العكس يكون فقيراً فينظر لمن هو أغنى منه فيشقيه النظر ويلهيه
الانشغال بالنظر والتمني وربما أصاب قلبه صنوفٌ من الأمراض كالحسد والحقد
ومثل ذلك.
المريض ينظر لمن منحه الله صحة وعافية ويتساءل فى نفسه أو قد يعتدي بلسانه ويقول هو ليه يارب أنا مريض كده؟
سبحانه لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ.
-إن معظمنا لا يستشعر هذه النعم وعندما يمر على هذه الآية
" وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ "
يمر مرور الكرام ولا يدرى أنه ينبغي علينا الاستغفار لله والإنابة إليه لأننا لن نستطيع إيفاء حق شكره علينا فنستغفره جل شأنه لذلك.
-إن معظمنا اعتاد على فضل الله ونعمه لدرجة أنه نسى أنها تستحق شكراً وإنابة واستغفاراً للتقصير فى هذا الشكر.
-بعض
الناس يقول بكل الطرق لن أوفى الله شكره إن استغفرت كثيراً أو قليلاً وإن
عملت الصالحات كثيراً أو قليلاً فطالما ذلك كذلك فيكفى أنى أؤمن لكن لا
تؤاخذني فى العمل وينتشر فكر الإرجاء وننسى أن كل ءاية ذكر فيها الذين
ءامنوا جاء عقبها مباشرة وعملوا الصالحات أين شكر الله بالعمل فى حياتك؟
أين استغفارك لتقصيرك فى هذا الشكر حتى يغفر الله لك تقصيرك؟
-إن منا من لا يستغفر حتى على ذنب أذنبه وهو مطالب أصلاً بالاستغفار لأنه لن يوفى الله حق شكره عليه
-إن
معظمنا من يتناول نعم الله تناول الغافل الذى غفل عن شكر من منحه كل شيء
ونراه مع البشر لا تفارق كلمة شكراً لسانه ولو أسدى له أحداً معروفاً كان
همه بعدها الوحيد أن يرد له هذا المعروف فيشكره عملياً بان يقدم له أى عمل
يريده فما بالك برب الأرباب وملك الملوك قيوم السماوات والأرض رحمن الدنيا
والآخرة ورحيمهما ذا الفضل الواسع الواصل
فهل لنا بوقفة يا أخوانى ويا أخواتى.
وقفة
لا لكي نعد نعم الله علينا فهي ظاهرة وباطنة نعلمها ولا نعلمها ولن نحصيها
أبداً لكنها وقفة كي نشكر الله عز وجل على نعمه ونستغفره للتقصير فى هذا
الشكر على نعمه فإن الملائكة التى جبلت على الطاعة منهم القائم والراكع
والساجد إلى قيام الساعة وعند قيام الساعة يقولون سبحانك ربنا ما عبدناك
حق عبادتك فكيف بحالك يا مسكين ؟!!!
أسأل الله العظيم أن
تلين قلوبنا للدين وأن يجعلنا أهلاً للتمكين وأن يملأ قلوبنا إخلاصاً له
عز وجل وأن يغفر لنا التقصير فى شكره إنه هو الشكور الحليم وآخر دعوانا أن
الحمد لله رب العالمين.
ولا تنسوني من صالح دعائكم
منقول للامانة